(رأس الحكمة)..عوائد اقتصادية مرتقبة لأضخم مشروع استثماري في تاريخ مصر
في خطوة فارقة بمسيرة التنمية الاقتصادية في مصر شكل اتفاق تطوير وتنمية مدينة (رأس الحكمة) على الساحل الشمالي أكبر صفقة في تاريخ البلاد لجذب استثمارات مباشرة بلغت قيمتها 35 مليار دولار.
وأشاع توقيع الاتفاق بين (هيئة المجتمعات العمرانية) ممثلة عن مصر وشركة (أبوظبي القابضة) ممثلة عن دولة الإمارات في ال23 من فبراير الماضي ارتياحا بين الأوساط الاقتصادية وتفاؤلا بتجاوز الحكومة المصرية أزمة شح السيولة النقدية من العملة الصعبة.
وحملت الصفقة في طياتها مؤشرات إيجابية وعوائد اقتصادية من أبرزها تحقيق الاستقرار النقدي للبلاد وتوحيد سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية وكبح جماح التضخم وخفض الدين الخارجي وتحفيز النمو الاقتصادي وخلق مئات الآلاف من فرص العمل وتنشيط القطاع السياحي ومضاعفته إلى جانب استعادة الثقة بالاقتصاد المصري واستقطاب استثمارات أجنبية مباشرة جديدة.
وبهذا الصدد قال المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء المصري المستشار محمد الحمصاني في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن مشروع تطوير وتنمية (رأس الحكمة) بمثابة “صفقة عمرانية وتنموية ضخمة” مبينا أن تنفيذ المشروع سيتم عبر تأسيس شركة مساهمة مصرية باسم (رأس الحكمة) وتخضع للقوانين المصرية.
وأوضح الحمصاني أن المشروع الذي تبلغ مساحته نحو 8ر170 مليون متر مربع أي أكثر من 40 ألفا و600 فدان يتضمن إنشاء مدينة متكاملة تشمل أحياء سكنية لكل المستويات وفنادق عالمية ومنتجعات سياحية ومارينا دولية كبيرة لليخوت والسفن السياحية.
وأضاف أن المشروع يتضمن كذلك حيا مركزيا للمال والأعمال لاستقطاب الشركات العالمية الكبرى ومنطقة حرة خدمية خاصة تحتوي على صناعات تكنولوجية وصناعات خفيفة وخدمات لوجستية فضلا عن إنشاء مطار جنوب المدينة “سيتم توقيع عقد منفصل له”.
وأشار الحمصاني إلى أن مشروع (رأس الحكمة) سيتم تنفيذه على أمد سنوات مبينا أن إجمالي الاستثمارات المتوقع ضخها في تنفيذ المشروع لن تقل عن 150 مليار دولار أمريكي.
ونوه بأن الصفقة توجه رسالة للمستثمرين الأجانب ولكافة الأطراف الإقليمية والدولية بأن الاقتصاد المصري قادر على تجاوز التحديات الراهنة.
وأشار الى أن الصفقة لها عوائد كبيرة على الاقتصاد المصري خلال السنوات القادمة لأنها تساهم في توفير موارد دولارية ضخمة لمصر تمكنها من ضبط سعر الصرف وسوق النقد الأجنبي واستيفاء احتياجاتها الأساسية فضلا عن توفير مئات الآلاف من فرص العمل سواء بشكل مباشر في المشروع ذاته أو غير مباشر من خلال الشركات والمصانع المصرية التي ستساهم في تنفيذ المشروع.
ولفت إلى المساهمة المحتملة للصفقة في تنشيط قطاع السياحة من خلال استقطاب ما لا يقل عن ثمانية ملايين سائح سنويا “في منطقة رأس الحكمة فقط”.
وأشار الحمصاني إلى أن “عملية الإصلاح الاقتصادي هي عملية شاملة بمعنى أن الإصلاح هو مطلب مصر بالأساس قبل أن يكون هناك اتفاقيات أو مبادرات لعقد صفقات استثمارية كبرى” مؤكدا أن الحكومة المصرية حريصة على استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي واستمراره. ومن جهته قال الرئيس الأسبق لهيئة الرقابة المالية شريف سامي في تصريح مماثل ل(كونا) ان حجم صفقة (رأس الحكمة) “غير مسبوق” وتساهم في استقرار سعر الصرف وإعادة تدفق الاستثمارت المباشرة من الصناديق والشركات العالمية في مجالات مختلفة.
وأوضح سامي أن الأثر الفوري للصفقة هو زيادة الموارد الدولارية وإتاحتها بينما الأثر الممتد للأجلين المتوسط والطويل هو تعمير منطقة جديدة وجذب السياحة وتشغيل كافة القطاعات المرتبطة بالمشروع من مقاولات ومرافق وانشاءات وخدمات وغيرها.
وحول مدى نجاح الصفقة في القضاء على السوق الموازية للصرف (السوق السوداء) أكد أنه “لا توجد صفقة واحدة ينتج عنها مثل هذا الأثر وإنما تساعد من يدير السياسة النقدية وهو البنك المركزي المصري في إتاحة أرصدة دولارية للقضاء على قوائم الانتظار” مشيرا إلى أنها “عامل مهم ولكن ليس وحيدا في القضاء على سعر الصرف غير الرسمي”.
ومن جانبه أكد الخبير الاقتصادي مدحت نافع في تصريح ل(كونا) ان صفقة (رأس الحكمة) ستسهم في “انفراج جزئي” للأزمة الدولارية التي تعاني منها مصر مبينا أن الوفرة الدولارية تنعكس بشكل مباشر على المعروض السلعي نتيجة الإفراج عن الواردات المكدسة في الموانئ.
وأوضح نافع في هذا الصدد أن ذلك سيساهم في تحسين أوضاع التضخم نسبيا خصوصا “التضخم المستورد” أو التضخم الذي تسببت فيه هذه الأزمة الدولارية خلال الفترة الماضية.
وأشار إلى أن الصفقة تبعث إشارات إيجابية لمؤسسات التمويل الدولية ومنها صندوق النقد والبنك الدولي فضلا عن شركاء الاستثمار والتجارة والتمويل لاستعادة الثقة بالسوق المصري مرة أخرى.
وأضاف نافع “من التدفقات التي نأمل استعادتها تحويلات المصريين في الخارج والتي تراجعت بنسبة 30 في المئة بسبب ازدواج سعر الصرف خلال الفترة الماضية”.
وبين في هذا الصدد أن الصفقة ستساهم في تخفيض الفجوة الكبيرة بين سعري الصرف (السوق الرسمية والموازية) والقضاء التدريجي على السوق السوداء مع اتباع سياسة أفضل للربط المرن بالدولار الأمريكي.
وقال نافع ان “ضمان الاستدامة مرتبط بسرعة الحركة على مستوى السياستين النقدية والمالية” داعيا إلى عدم الركون لهذه الصفقة وحدها والعمل على أكثر من اتجاه آخر مثل الإصلاحات الهيكلية فيما يتعلق بالاقتصاد الحقيقي بشكل أساسي