محليات

 صيف 2023 بين ظاهرتي (القبة الحرارية) و(النينيو).. مناخ الأرض إلى أين؟

اعتماد نيوز- صحيفة إلكترونية كويتية شاملة

لا حديث للعالم في هذا الصيف سوى عن موجات الحر القاسية التي اجتاحت كثيرا من بقاعه ليس فقط في المناطق الداخلية بل امتدت إلى البقاع الساحلية التي كانت تمتاز بإعتدال طقسها.
ففي الشرق الأوسط وعلى الرغم من أن حرارة الصيف كانت تتخللها بعض الانفراجات فإنها في هذا العام شهدت ارتفاعات متواصلة إلى مستويات غير مسبوقة لامست ال 50 درجة مئوية في أنحاء كثيرة من بقاع العالم.
وتسبب ذلك في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات وتدمير المساحات الطبيعية واندلاع الحرائق في الغابات اذ ان هذا النسق المتصاعد من الطقس المتطرف يعزوه العلماء الى التقاء ظاهرتين مناخيتين هما (القبة الحرارية) و(النينيو).
فالقبة الحرارية تنشأ من تمركز مرتفع في طبقات الجو العليا على شكل غطاء يخزن الهواء الساخن في طبقات الجو الدنيا القريبة من سطح الأرض ما يدفع لارتفاع كبير في درجات الحرارة.
وهذا الغطاء الذي يشبه القبة يمنع صعود الهواء الساخن ونزول الهواء البارد وفي الوقت ذاته يسمح بنفاذ أشعة الشمس التي تزيد سخونة تلك المنطقة من الجو.
وفي مقابلة عبر تقنية الفيديو مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) أوضح أستاذ علوم المناخ بجامعة برن في سويسرا البروفيسور جوناثان بيوزن أن “القباب الحرارية ليست ظاهرة جديدة وكانت تستمر أياما فقط غير ان الجديد هذا الصيف أنها خيمت أسابيع وأصبحت أشد”.
وأضاف بيوزن “في السنوات الأخيرة بدأنا نرصد تكرار القباب الحرارية بأعداد تفوق ما رصد العقد الماضي وأصبحت أشد فتكا”.
وخلصت دراسة أجرتها (الادارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي) بالولايات المتحدة واطلعت عليها وكالة (كونا) الى ان الزيادة في عدد القباب الحرارية يمكن ربطها بالتغيير القوي الذي شهدته درجات الحرارة بالمحيط الهادئ في اشارة الى تقلب مناخي شديد يعرف بظاهرة (النينيو).
ففي الرابع من يوليو الماضي أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية رسميا بدء هذه الظاهرة ورجحت استمرارها طوال العام.
وتعد ظاهرة (النينيو) اقوى تقلب في نظام المناخ بأي مكان على وجه الأرض على الاطلاق وتحدث كل سنتين الى سبع سنوات في المناطق الاستوائية بالمحيط الهادئ.
وتشهد (النينيو) ظهور مياه دافئة على السطح قبالة سواحل أمريكا الجنوبية وتنتشر عبر المحيط دافعة كميات هائلة من الحرارة إلى الغلاف الجوي.
وحول هذه الظاهرة قال البروفيسور بيوزن ل (كونا) ان “حجم المحيط الهادئ يجعل تأثير هذه الظاهرة يصل الى العالم كله بخلاف القباب الحرارية التي تخيم فوق بقاع جغرافية محددة”.
لكنه شدد على أن “التغير المناخي هو الذي يفاقم تأثير تلك الظواهر سواء (القبة الحرارية) أو (النينيو) ويطيل أمدها على غرار ما حدث في إيطاليا واليونان ومنطقة الشرق الأوسط حيث جاء التغيير أشد”.
وبالنسبة للشرق الأوسط توقع بيوزن أن تشهد السنوات الخمس المقبلة مزيدا من القباب الحرارية خصوصا في المناطق المتاخمة للبحر المتوسط تؤدي لموجات قيظ أشد مع أعاصير مدارية أقوى في جنوب شبه الجزيرة العربية إذا لم يتمكن العالم من كبح الزيادة ضمن الحد المقرر لارتفاع حرارة الأرض وهو 5ر1 درجة مئوية.
وتوقعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية استمرار ظاهرة (النينيو) في المحيط الهادئ طوال هذا العام على ان تكون نهايته دافئة “وهذا يعني أن عام 2023 سيكون الأشد سخونة منذ 120 ألف عام”.
ففي أغسطس الجاري سجلت المحيطات أعلى درجة حرارة لها على الإطلاق بسبب امتصاصها الحرارة الناجمة عن الاحترار العالمي.
في حين بين مرصد المناخ الأوروبي (كوبرنيكوس) أن متوسط حرارة المحيطات بلغ نحو 21 درجة مئوية وهو أعلى بكثير من متوسط الحرارة لهذا الوقت من العام في حين شهدت منطقة شمال المحيط الأطلسي موجات حر “لأول مرة” ما يعزز المخاوف من ارتفاع جديد في الحرارة غير ان علماء المناخ لم يتنبأوا بحدوثها قط في تلك البقعة.
وفي أحدث نشراتها توقعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ان يكون موسم الاعاصير هذا العام “فوق الطبيعي” بنسبة 60 بالمئة في المحيط الأطلسي بسبب الارتفاع القياسي في درجات الحرارة السطحية مع تأثير ظاهرة (النينيو).
وتثير تلك التطرفات المناخية مخاوف عميقة على المستقبل بسبب آثارها الكارثية التي ستجعل الحياة على الأرض أصعب وأقسى ليس للبشر فحسب بل لجميع الكائنات.
فعلى وقع زيادة تبخر المياه وارتفاع حرارة الهواء تتلف المحاصيل وتنهار الزراعة ويصاب العمال بالإجهاد الحراري وتتأثر الدورة الاقتصادية بشدة بسبب الإخلال بالتوازن البيئي الحيوي للكوكب.
وتزيد وتيرة حرائق الغابات وموجات الجفاف والتصحر وتآكل المساحات الخضراء وانحسار المسطحات المائية وذوبان الجليد في القطبين حيث تعتبر الأمم المتحدة الحرارة أكثر التغيرات المناخية فتكا.
ففي أوروبا أودت حرارة الصيف الماضي بحياة 60 ألف شخص وفق بيانات حديثة ويتوقع أن يرتفع العدد سنويا إلى 90 ألفا بدءا من هذا العام.
وخلال العقدين الماضيين ارتفع عدد الوفيات عالميا بسبب الحرارة بنحو 75 بالمئة وفقا لتقرير أصدرته دورية “لانست العد التنازلي للمناخ” وهي أحد الإصدارات الرصينة في بريطانيا لرصد العلاقة بين التغير المناخي والصحة العامة.
من جهتها قالت رئيسة فريق (تقرير لانست) الدكتورة مارينا رومانيلو من جامعة كمبردج في مقابلة عبر تقنية الفيديو مع (كونا) انه “من الناحية الصحية عندما يتعرض الناس بانتظام للحرارة المرتفعة ليلا ونهارا تزيد الإصابات بأمراض مثل القلب والجهاز التنفسي والأوعية الدموية وضربات الشمس وضعف الصحة العقلية”.
وأضافت أنه عندما يتعرض الجسم للحرارة العالية تزيد الضغوط على الأجهزة الداخلية للجسم من أجل التبريد كما تزيد الضغوط على القلب والرئتين والكلى وباقي أجهزة الجسم مع زيادة خطر الجفاف خصوصا للفئات الأضعف كالأطفال وكبار السن ومن لا يستطيعون التأقلم مع الحرارة العالية.
وتابعت “سنواجه المزيد من موجات الحرارة وعلينا التأقلم مع الحرارة المرتفعة سواء بالبقاء في المنازل أو عدم التعرض للشمس مع زيادة المساحات الخضراء في المدن وهي فعالة للغاية للحد من الحرارة وكذلك استخدام حلول التبريد قليلة الانبعاثات”.
وأضافت رومانيلو “بمرور الوقت يتكيف الناس مع الحرارة العالية..فالجسم لديه قدرات فسيولوجية تتطور والتعرض للحرارة لفترة وجيزة يدربه على التأقلم معها”.
لكنها استدركت بالقول إنه “إذا واصلت الحرارة ارتفاعها لمستويات قياسية فثمة شكوك في قدرة الجسم على التأقلم معها لأن وتيرة زيادة الحرارة عالميا أسرع من القدرات الفسيولوجية للجسم على التطور فهناك حدود للحرارة التي تستطيع أجسامنا التأقلم عليها”.
وأفادت دراسة حديثة أجراها باحثون من (إمبريال كوليدج) في لندن بأن مستوى الاحترار الذي شهده العالم هذا الصيف ما كان له أن يحدث لولا التغير المناخي و”لأنه لا يلوح في الأفق أي كبح محتمل لارتفاع الحرارة في نطاق 5ر1 درجة مئوية فإن علماء المناخ يخشون أن يكون صيف العام المقبل 2024 أشد قيظا”.
ودعت الدراسة الى ضرورة الاستعداد لصيف 2024 “لأن تكون الحرارة شديدة الارتفاع صيفا هي الواقع الجديد المعتاد” غير ان هذا يستدعي في المقابل تحسين قدرة المجتمعات على التكيف مع هذا الواقع بسرعة أكبر مما كان منتظرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى