إعادة هيكلة قطاع المصارف اللبناني .. بصيص أمل في ظل رؤية ضبابية
يعاني لبنان منذ اواخر عام 2019 ازمة اقتصادية حادة صنفت وفقا لتقرير (المرصد الاقتصادي) الصادر عن البنك الدولي بأنها ضمن أشد عشر أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن ال19. وظل الاقتصاد اللبناني يراوح مكانه منذ بداية الازمة وسط محاولات عدة من قبل الحكومة ومصرف لبنان (البنك المركزي) لانتشاله من كبوته مصطدما بعوائق عدة منها الاقتصادي وأخرى سياسية.
وجاء مشروع (إعادة هيكلة القطاع المصرفي) في لبنان الذي اشترطه صندوق النقد الدولي وتبنته الحكومة لإجراء الاصلاحات المالية من اجل النهوض بالاقتصاد اللبناني بصيص أمل في ظل رؤية ضبابية.
وقال الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف في المصرف المركزي اللبناني سمير حمود لوكالة الانباء الكويتية (كونا) ان الازمة النقدية الحالية “غير عصية على الحل” مؤكدا ان الحلول لا يمكن ان تتعارض مع الدستور وهوية لبنان في النظام الحر والحفاظ على الملكية الخاصة. واضاف حمود ان لبنان يواجه خمسة انواع من الازمات هي نقدية ومصرفية ومالية واقتصادية وسياسية معتبرا ان الازمات الثلاث الاخيرة هي الاهم “وحلولها رهينة التوافق على بناء دولة بالمعنى الصحيح”. ورأى أن الازمة الاقتصادية الحالية التي يعيشها لبنان تعود جذورها الى ثمانينيات القرن الماضي بسبب استدانة المصارف بالدولار من المصرف المركزي مع عدم وجود تغطية للدين بالدولار “وانما كانت موجودات المصرف التي يتم تقييها بالدولار”.
وأوضح حمود ان المصارف اصبحت تتسلم ودائع بالدولار وتدفع لقاءها فائدة لتقوم هي بدورها بوضعها في المصرف المركزي الذي هو ايضا يقوم بإقراض الدولة “وهذه السياسة النقدية ادت مع الزمن الى حدوث ازمة”. وذكر ان المصارف حاليا في حالة توقف عن الدفع مشيرا الى ان ذلك مرده وجود اموالها لدى المصرف المركزي او سندات الدين على الدولة “وهما غير قابلين للتسييل السهل لمواجهة السحوبات من المودعين بالدولار”. وبين ان أزمة سعر الصرف الحالية ادت الى العودة لأنظمة الدفع النقدي “الورقي” لافتا الى ان ذلك أدى لفقدان العملة المحلية عنصر الأمان باستعمالها عملة ادخار واقراض وتسعير للقيمة.
ورأى حمود ان الحل يكون من خلال قيام المصرف المركزي بتأسيس مصرف محلي يقوم بشراء ودائع الافراد والمؤسسات من المصارف بالعملة الاجنبية ويحرر المصارف من الأعباء وخطر التعرض لحالات التوقف. وأوضح انه بعد حصول المصرف المركزي على موجودات المصارف من أجل تغطية المطلوب منها اضافة الى سندات الدين التي على الدولة “تصبح عندها المصارف حرة وبإمكانها رسملة نفسها وفقا لاتفاقية بازل”. وبين الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف ان ديون القطاع الخاص اللبناني تقدر بنحو 8 مليارات دولار فيما يبلغ دين الدولة لصالح المصرف المركزي حوالي 70 مليار دولار نتيجة لإصدار الاخيرة سندات الدين.
وذكر ان حجم أموال المودعين لدى المصارف اللبنانية يبلغ حوالي 95 مليار دولار مشيرا الى ان موجودات المصرف المركزي حاليا تبلغ حوالي 7 مليارات والمصارف لديها 3 مليارات دولار. وتابع حمود قائلا “من هنا أتت الفجوة المالية البالغة نحو 85 مليار دولار” إذا ما تم خصم موجودات المصرف المركزي والمصارف من اجمالي اموال المودعين البالغة 95 مليارا. وقال ان حجم الناتج المحلي اللبناني يبلغ نحو 20 مليار دولار في عام 2022 مقابل حوالي 54 مليار دولار قبل الازمة المالية التي بدأت أواخر عام 2019 وصاحبتها حركة احتجاجات واسعة في لبنان. واعتبر حمود انه خلال السنوات الاربع الماضية حصلت ممارسات “خاطئة” في القطاع المصرفي اللبناني مشددا على ضرورة ايجاد تشريع يلزم ان تكون موجودات المصارف أكثر من التزاماتها.
ومن جانبه قال مستشار وزير الاقتصاد والتجارة السابق استاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية البروفسور جاسم عجاقة لوكالة الانباء الكويتية (كونا) ان اعادة هيكلة المصارف تعد “امرا ضروريا ومهما إذا كانت هناك ارادة لإنقاذ القطاع” مشيرا الى ان “الاشكالية” في طريقة اعادة الهيكلة. وأضاف عجاقة ان اعادة الهيكلة يجب ان تتم بطريقة علمية ومن دون اي خلفيات سياسية مشيرا الى خطة شركة (لازار) المالية الامريكية التي تقدم خدمات استشارية بشأن عمليات الاندماج وإعادة الهيكلة. وأوضح ان خطة (لازار) المالية طرحت امكانية اقفال المصارف الحالية وانشاء خمسة مصارف جديدة معتبرا ان هذه الخطة “لا يمكن ان نسميها عملية اعادة هيكلة”. وبين عجاقة أنه لإعادة الهيكلة معايير علمية يمكن تطبيقها بعد عمل عملية تدقيق في حسابات وموجودات المصارف لمعرفة مراكزها المالية داعيا الى طلب التدقيق من شركة مالية خارجية لكي يكون الامر “شفافا ويوحي بالثقة”. وقال انه بعد عملية التدقيق يتم تقييم الواقع الذي سيظهر ان هناك مصارف ستقفل ابوابها واخرى ستعمل على الاندماج مع مصارف اخرى ومصارف بإمكانها ان تزيد رأسمالها.
وأكد استاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية انه “من الصعوبة بمكان اعادة احياء الاقتصاد اللبناني من دون عملية اعادة هيكلة المصارف” مشيرا الى ان الاقتصاد النقدي “لا يمكن مواجهته من دون وجود قطاع مصرفي فاعل”. واعتبر عجاقة انه بمجرد ان تتم عملية اعادة الهيكلة سيكون هناك خروج لبعض المصارف من القطاع ممن “ليس لديها القدرة على الاستمرار او الرغبة فيه” الامر الذي سيجعل بإمكان مصارف اخرى الدخول فيه. وبين ان عملية الدمج بين المصارف او حتى شراءها من مصارف اخرى أكبر لا تعد عملية سلبية “بل هي عملية اعادة تموضع جديدة” مشددا على ان المهم في عملية اعادة الهيكلة هو الحفاظ على اموال المودعين.
وحذر من ان عدم مراعاة مشروع اعادة الهيكلة قضية المحافظة على أموال المودعين “سيزعزع الثقة بأي قطاع مصرفي لبناني في المستقبل”. وبدورها قالت عضو لجنة (حماية أموال المودعين) التي شكلتها نقابة المحامين في لبنان المحامية دينا ابو زور ان حل ازمة المصارف اللبنانية يبدأ بإقرار التشريعات المناسبة في مجلس النواب اللبناني التي “من اهمها قانون اعادة هيكلة المصارف”.
واعتبرت ابو زور ان المسؤولية في اعادة أموال المودعين تقع بالدرجة الاولى على عاتق المصارف ومن ثم المصرف المركزي مشيرة الى وجود اقتراحين بقانون حول اعادة هيكلة القطاع في مجلس النواب. وأوضحت ان مقترح القانون الاول يعمل عليه المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف وهو “ليس واضحا بالنسبة لنا وليس لدينا اي معلومات حول خسائر المصارف”.
وذكرت ابو زور ان مقترح القانون الثاني تقدمت به لجنة (حماية اموال المودعين) في وقت سابق وتبناه عدد من النواب مشيرة الى انه مازال بانتظار عرضه على اللجان المعنية في المجلس لدراسته. وبينت ان المصارف اللبنانية متوقفة منذ بداية الازمة المالية عن رد الودائع في حسابات مودعيها معتبرة ان “تحميل المودع خسارة من أمواله غير مقبول”. وجددت تأكيد اهمية اقرار قانون (اعادة هيكلة المصارف) كأساس في تحديد المسؤوليات نحو وضع الحلول مشيرة الى ان صندوق النقد الدولي اعتبر اعادة هيكلة القطاع شرطا لإجراء الإصلاحات المالية المطلوبة للنهوض بالاقتصاد اللبناني