الصّمُّ… سيسمعون قريباً!
في إطار دراسة بحثية رائدة تبشّر نتائجها بالاقتراب من معالجة الصمم الوراثي (الخلقي)، أعلن باحثون في جامعة ولاية أوريغون الأميركية أخيراً أنهم قد اكتشفوا جزءاً رئيسياً جديداً من أجزاء اللغز الساعي إلى إيجاد طريقة لتفعيل حاسة السمع لدى الأشخاص الصّم خلقياً، أي الذين يولدون مصابون بتلك الإعاقة لأسباب وراثية.
ونشرت نتائج اليوم في مجلة موسوعة (MBoC) المتخصصة في علم الأحياء الجزيئي الخاص بالخلايا البشرية.
ومنذ العام 2017، يواصل البروفيسور جونسون أبحاثه مع باحثين آخرين على دراسة جين الأوتوفيرلين ونجحوا أخيراً في تركيب نسخة مختصرة منه بحيث يمكن أن تسهم في تشفير ذبذبات الصوت تمهيداً لنقلها إلى الدماغ.
فإلى مزيد من التفاصيل عن تلك الدراسة…
الدراسة البحثية الجديدة أُجريت تحت قيادة البروفيسور كولين جونسون، أستاذ الكيمياء والفيزياء البيولوجية في كلية العلوم التابعة لجامعة ولاية أوريغون الأميركية، والذي قال إن الجهود البحثية تمحورت منذ البداية حول جين كبير الحجم نسبياً مسؤول عن إنتاج بروتين يدخل في تكوين أنسجة وأعصاب الأذن الداخلية، وهو البروتين الذي يعرف باسم أوتوفيرلين.
وأوضح البروفيسور جونسون أن الدراسة اكتشفت للمرة الأولى أن الطفرات أو التشوهات الوراثية التي تصيب تركيبة جين أوتوفيرلين هي المسؤولة بشكل أساسي عن التسبب في نشوء إعاقة خلقية تعرف بـ«فقدان حاسة السَّمع الخلقي الحاد» (SCHL)، وهو نوع من الصمم سببه جيني ويتسبب في جعل الجنين يولد أصم فسيولوجياً، حيث بدرجة ضعيفة جداً تقترب من الصفر بسبب الخلل في ذلك البروتين.
وتابع البروفيسور جونسون موضحاً: «لوقت طويل في السابق، بدا الجين الوراثي المسؤول عن إنتاج بروتين الأوتوفيرلين هو مجرد جين له دور محدود.
فبينما يقوم الكثير من الجينات الأخرى بمهام ووظائف مختلفة عديدة، كان جين الأوتوفيرلين يبدو لنا في السابق بأن له دوراً محدوداً واحداً فقط وهو تشفير ذبذبات الصوت في خلايا الشعر الحسية الموجودة في الأذن الداخلية.
لكننا اكتشفنا من خلال دراستنا هذه أن أي طفرات أو تحويرات طفيفة تطرأ على ذلك الجين تجعل الشخص أصم».
وفي صيغته التركيبية الطبيعية، يكون حجم جين الأوتوفيرلين أكبر من أن يتم وضعه في مركبات توصيل العلاج الجزيئي، ولذلك فإن فريق البروفيسور جونسون شرع في البحث عن طريقة لاستخدام نسخة مصغرة أو مختصرة عوضاً عن النسخة الكبيرة من ذلك الجين.
وأظهرت تجارب قام بها فريق الباحثون أن تلك النسخة المختصرة ينبغي بالضرورة أن تشتمل على جزء من ذلك الجين يُعرف باسم «المجال الغشائي» (transmembrane domain)، وكانت المفاجأة السارة هي أنه اتضح أن أحد أسباب ذلك هو أن الخلايا الحسية السمعية تصاب بالضمور في حال عدم وجود «مجال الغشاء»، وهو الأمر الذي يعني أن كلمة السر في تفعيل حاسة السمع لدى الصّم تكمن في «المجال الغشائي».
وقال جونسون: «كان ذلك مفاجئاً لأن جين الأوتوفيرلين كان معروفاً عنه في السابق أنه يقوم فقط بالمساعدة في ترميز معلومات حاسة السَّمع، لكن لم يكن يُعتقد أن له دوراً أساسياً في تطوير ونمو الخلايا الحسية السمعية».
ولاختبار ما إذا كان المجال الغشائي في جين الأوتوفيرلين ينبغي أن يكون جزءاً من النسخة المختصرة من الجين، أدخل الباحثون طفرة اصطناعية في ذلك الجين، وهي الطفرة التي أدت إلى اختصار مجال الغشاء لدى أسماك تجارب في المختبر كي يتسنى توصيلها مختبرياً.
والسمك الذي استخدمه الباحثون في التجارب هو سمك الزرد (يشتهر أيضاً بلقب سمك الحمار الوحشي)، وهو نوع صغير من أسماك المياه العذبة يتميز بأنه يتطور من خلية واحدة إلى سمكة تسبح في غضون خمسة أيام فقط، ويشترك ذلك النوع من السمك في تشابهات ملحوظة مع البشر على المستويات الجزيئية والجينية والخلوية، وهو الأمر الذي يعني أن العديد من نتائج أسماك الزرد يمكن أن تنطبق على البشر.
وإلى جانب سرعة نموها، تتسم أجنة سمك الزرد بكونها شفافة ويمكن إبقاؤها حية بسهولة بكميات قليلة من الماء.
وكتب الباحثون في سياق ورقتهم البحثية: «المجال الغشائي يربط بين جين الأوتوفيرلين وغشاء الخلية والحويصلات داخل الخلايا، لكن ما لم يكن معروفاً في السابق هو ما إذا كان هذا الارتباط ضرورياً وينبغي تضمينه في الشكل المختصر من الأوتوفيرلين من أجل تفعيل حاسة السمع».
وعلى المستوى الجزيئي، اكتشف الباحثون أن غياب المجال الغشائي أدى إلى فشل جين الأوتوفيرلين في الربط بشكل صحيح بين الحويصلات المشبكية المليئة بالناقل العصبي وبين غشاء الخلية، وهو الأمر الذي تسبب في نقصان عدد الناقلات العصبية.
وعن ذلك، قالت الباحثة أيوشي مانتاندا التي شاركت في إجراء الدراسة: «وجدنا أن فقدان المجال الغشائي يؤدي إلى انخفاض إنتاج خلايا الشعر السمعية الحسيّة من بروتين الأوتوفيرلين إلى جانب إضعاف نشاط وحساسية خلايا الشعر تلك. كما تتسبب الطفرة أيضاً في عرقلة نضج تلك الخلايا الحسية، وكان هذا اكتشافاً مفاجئاً».
وتابعت: «تشير نتائج دراستنا إلى أن قدرة جين الأوتوفيرلين على الربط بين الحويصلات وغشاء الخلية هي خطوة ميكانيكية أساسية لإطلاق الناقلات العصبية أثناء عملية تشفير ذبذبات الصوت ونقلها إلى مركز السمع في الدماغ».
واختتمت الورقة البحثية بالقول: «إن نتائج هذه الدراسة تُبشِّر بوضوح بأننا قد اقتربنا أكثر من أي وقت مضى من توظيف جزيئات المجال الغشائي لتطوير أول علاج جيني لتفعيل حاسة السمع لدى الأشخاص المصابين بالصمم الخلقي لأسباب وراثية».